قوالبنا للبلوجر -ابريل2012

مرحبا بكم

https://imageshack.com/i/jm62348301j

قائمة المدونات الإلكترونية

السبت، 15 ديسمبر 2012

حفارو الكنوز في المغرب.. بين الحقيقة والأسطورة

إن وقع عبارة «الكنز» لدى أسماع الناس، عامة، قويّ جدا، ولو قُصِد بالعبارة شيء آخر، على سبيل المجاز. أما إذا كان الأمر يتعلق بالكنز على وجه التحديد، فإن الأعناق تتشوّف إلى معرفة
موضعه وتسهر العيون من أجل تحصيله وتضرب الإبل في سبيل بلوغ موضعه وتقصِّي أثره... وقد كان الوهم، أحيانا، وراء خيبة أمل الكثير من المغامرين المتطلعين إلى اكتشاف الكنوز، وأحيانا أخرى، كانت الصدفة الطيبة وحسن الطالع سببا في ترسيخ فكرة وجود الكنوز في بواطن الأرض والمغارات السحيقة والبنايات الضاربة في القدم.. فهل يمكن القول إن الكنز، بمفهومه المتداوَل والمعهود لدى الشعوب القديمة والحديثة حقيقة لا غبار عليها، أم إنه مجرد سراب ينشده المتوهمونّ؟

من السهل التمييز بين مهنة الباحث في علم الآثار (الأركيولوجيا) وبين المنقّب عن الكنوز التي يحتضنها باطن الأرض، فبُغية الأول كما هو معلوم خاضعة لمنطق علم الآثار ومناهجه التي تؤطرها أهداف علمية بحتة، تتمثل في كشف أسرار الماضي، من خلال استنطاق الآثار المادية للأجيال الغابرة، أو ما يُعبَّر عنه باللقى الأثرية، وهي من الكثرة بحيث تندّ عن الحصر، وأبرزها البنايات والتماثيل والنقوش والقنوات المائية والبرديات والمنسوجات النباتية والجلود ومختلف الآلات البسيطة والمعقدة، إلى جانب علوم أخرى متفرعة عن «الأركيولوجيا»، مثل «الباليونتولوجيا» (paléontologie)، التي تختص في دراسة حفريات عضوية بشرية، في طليعتها الجثث المتحجرة أو المحنطة، والأركيولوجيا تحت المائية L'archéologie subaquatique، التي تضيف كل اللقى البحرية، من سفن وخزفيات، نقل المواد السائلة والصلبة والأسلحة ومعدات النقل البحري، وعلم «النوميات» (Numismatique)، وهو علم دراسة النقود القديمة، لاستنطاق معطياتها، وتحديد تواريخ ضربها ومجالات تداولها.
في حين، ينحصر ما ينشده المنقّبون عن الكنوز، في أحلامهم غير المتناهية، في الظفر بكمية وافرة من المعادن الثمينة، وخصوصا الذهب والفضة والأحجار الكريمة التي ستفتح أمامهم فرصة الارتقاء الاجتماعي واللحاق بركب أهل الرفاهية والحظوة، إما عن طريق بيع لُقاهم في أسواق المال والمعادن الثمينة، وهي أشياء لم يكن الفصل في ما بينها واضحا في العصور الوسطى، نظرا إلى وجود تقارب بين المعادن المضروبة، أي المسبوكة نقودا، وبين القطع المعدنية التي كانت تجري مجرى النقود في أحايين كثيرة، أو بتصريفها، خفية، خلال الفترة المعاصرة، حيث بات بيع اللقى الأثرية أمرا محظورا، في ظل التشريعات، إلا في حال إثبات ملكيتها قانونيا، وعرضها في المزادات العلنية. أما في حال العثور عليها من قِبَل المنقِّبين عن الكنوز، فقد يتطلب الأمر البحثَ عن أشكال أخرى لترويجها في السوق السوداء للآثار المسروقة والمهرَّبة، بمختلف أصنافها. ويعدّ الصنف الثاني من المنقِّبين عن الآثار، أو من يصطلح الكتّاب القدامى على نعتهم ب«الكنزيين»، أصحاب إحدى أعرق المهن قِدَما، حيث وُجدت لدى مختلف الحضارات الغابرة جماعات انتدبت نفسها وبذلت مجهودا جسيما في سبيل تحصيل الكنوز المدفونة في باطن الأرض.
ونستطلع، من خلال بعض النصوص التراثية العربية، آراء القدماء عن الكنوز والمستكشفين لمكامنها، حتى يتسنى للمحدَثين معرفة حقائق ربما تغيب عن الأذهان في الزمن الحاضر. وبدءا، ينبغي التنبيه إلى أن العرب وإن لم يكونوا سبّاقين إلى ادخار الكنوز والتُّحف النادرة فإنهم كانوا من بين الأمم السبّاقة إلى استكشاف دخائر الحضارات الضاربة في القِدَم، بغية تحصيلها، فنجدهم ينقّبون في المواقع القديمة في بلاد الرافدين ومصر الفرعونية وفارس الساسانية والشام الرومانية البيزنطية. ولعل المُطَّلع على مادة الأهرام في معظم معاجم الجغرافيا العربية القديمة سوف يقف على الرغبة الملحّة التي اعترت الخليفة المأمون العباسي (198 -218 ه) في استكشاف خبايا هذه البنايات والبحث عن مدخراتها الثمينة. وقصة الحفر التي شهدها أحد الأهرامات، بأمره، مشهورة في كتب التاريخ والجغرافيا العربية، ويتلخص مضمونها في تطلعه إلى الحصول على كنوز مصر القديمة، عن طريق نقب جدران الهرم. وفي سياق هذه المحاولة، تبيَّن للمأمون ما تنطوي عليه الفكرة من ضياع للوقت والمجهودات سدى، إذ تمخضت أولى عمليات التنقيب عن نتيجة غير ذات طائل، فالمقارنة الذكية التي أجراها الخليفة المأمون المشتهر بحبه للحكمة والتبصر ببواطن الأمور أسفرت عن نتيجة طريفة مؤداها أن القطع المعدنية الثمينة والأحجار الكريمة المحصّل عليها من عملية النقب كانت أثمانُها معادِلة لمجموع النفقات التي رُصِدت لفتح النقب من قِبَل العمال المباشرين للأشغال، وبالتالي فإن ما طمح إليه المأمون من جني الثروة أضحى بَعيدَ المنال.
أما من باب تمحيص القول في حقيقة وجود الكنوز وصواب البحث عنها، من طرف أصحاب مهنة يمكن عدُّها، حاليا، قطاعا اقتصاديا عشوائيا وغيرَ خاضع للتقنين أو الضريبة على القيمة المضافة، بل على العكس من ذلك، فإنه يُعدُّ، بحكم القانون، عملا محظورا، طالما عوقب المتعاطون له، بتهمة الحفر بدون ترخيص أو تخريب الملك الخاص أو المواقع الأثرية المحمية، أو حتى سرقة الآثار المادية والتحف التراثية، في حال نجاح البعض في الحصول على مبتغاه. وأحيانا أخرى، تكون التهمة اختطاف الأطفال أو قتلهم، طمعا في تقديم قرابينَ، إرضاء للأرواح القيّمة على حفظ الكنز.
من هذا الباب، سوف نستعرض آراء القدامى والمحدَثين. ومن المستطرف أن عظماء مفكري الإسلام خاضوا في هذه المسألة، ومن أبرزهم العلامة ابن خلدون، الذي ناقش في «المقدمة» جدوى البحث عن الكنوز المدفونة في باطن الأرض، وانتهى إلى خلاصة مؤداها أن الأمر، في جملته، لا يعدو أن يكون تشبّثا بالوهم وجريا وراء سراب خادع، بل لقد ذهب به الاستخفاف بأصحاب الحفائر، في ثنايا الفصل الذي عقده بعنوان: «فصل في أن ابتغاء الأموال من الدفائن والكنوز ليس بمعاش طبيعي»، إلى حد اتهامهم بالحمق والسخافة واعتبار أقوالهم بهذا الشأن حديث خرافة. ومن جملة ما قال ابن خلدون عن هؤلاء ما نصه: «اعلم أن كثيرا من ضعفاء العقول في الأمصار يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض ويبتغون الكسب من ذلك، ويعتقدون أن أموال الأمم السالفة مختزَنة، كلها، تحت الأرض مختوم عليها كلها بطلاسم سحرية لا يفضّ ختامها ذلك إلا من عثر على علمه، واستحضر ما يحله من البخور والدعاء والقربان، فأهل الأمصار بإفريقية يرون أن الإفرنجة الذين كانوا قبل الإسلام بها دفنوا أموالهم كذلك، وأودعوها في الصحف بالكتاب إلى أن يجدوا السبيل إلى استخراجها. وأهل الأمصار بالمشرق يرون مثل ذلك في أمم القبط والروم والفرس، ويتناقلون في أحاديث تشبه حديث خرافة من انتهاء بعض الطالبين لذلك إلى حفر موضع المال ممن لم يعرف طِلَّسْمَه ولا خبره، فيجدونه خاليا أو معمورا بالديدان، أو يشاهد الأموال والجواهر موضوعة والحرس دونها منتضين سيوفهم، أو تميد به الأرض حتى يظنه خسفا، أو مثل ذلك من الهذر».
أما عن كيفية عمل الباحثين عن الكنوز وحيلهم التي يلبّسون بها على العامة، لأكل أموالهم بالباطل، فلا تختلف في شيء عما يتداوله هؤلاء حتى الآن من خرائط وتصاميم لمخابئ الكنوز، وتعاويذ لفك الطوق الذي يضربه حراسها حولها. ويعزو ابن خلدون منشأ هذه الظاهرة إلى عجز البعض عن الكسب المألوف بين الأمم من فلاحة للأرض واتخاذ للصنائع اليدوية وممارسة للتجارة، فانطلاقا من بيئته بأقطار الغرب الإسلامي، يحكي عنهم بلهجة تمزج بين السخط والسخرية، قائلا:
«ونجد كثيرا من طلبة البربر بالمغرب العاجزين عن المعاش الطبيعي وأسبابه يترقبون إلى أهل الدنيا بالأوراق (المنخرمة) الحواشي، إما بخطوط عجمية أو بما ترجم بزعمهم منها من خطوط أهل الدفائن بإعطاء الأمارات عليها في أماكنها، يبتغون بذلك الرزق منهم بما يبعثونهم على الحفر والطلب ويموهون عليهم بأنهم إنما حملهم على الاستعانة بهم طلب (النجاة) في مثل هذا من منال الحكام والعقوبات. وربما تكون عند بعضهم نادرة أو غريبة من الأعمال السحرية يموّه بها على تصديق ما بقي من دعواه، وهو بمعزل عن السحر وطرقه، فيولع كثير من ضعفاء العقول بجمع الأيدي على الاحتفار والتستر فيه بظلمات الليل، مخافة الرقباء وعيون أهل الدول. فإذا لم يعثروا على شيء، ردوا ذلك إلى الجهل بالطلسم الذي ختم به على ذلك المال، يخادعون به أنفسهم عن إخفاق مطامعهم».
ولعل ابن خلدون كان قد ضاق ذرعا بكثرة المنتحلين لهذه المهنة، كما يتراءى من خلال الفصل السالف أن شهرة المغاربة طبقت آفاق دار الإسلام، شرقا وغربا، حتى إنه لاحظ، قبل وصوله إلى القاهرة وإقامته أواخر حياته بها تحت حكم المماليك، أن المصريين الحالمين بالثروة كانوا يلحّون في طلب أصول هذه الصنعة ممن يرد عليهم من طلبة البربر، وهو قوله:
«لهذا، فأكثر مَن تراهم يحرصون على ذلك هم المترفون من أهل الدولة ومن سكان الأمصار الكثيرة الترف المتسعة الأحوال، مثل مصر وما في معناها. فنجد الكثير منهم مغرَمين بابتغاء ذلك وتحصيله ومساءلة الركبان عن شواذه، كما يحرصون على الكيمياء. هكذا بلغني عن أهل مصر في مفاوضة من يلقونه من طلبة المغاربة، لعلهم يعثرون منه على دفين أو كنز ويزيدون على ذلك البحث عن تغوير المياه لما يرون أن غالب هذه الأموال الدفينة كلها في مجاري النيل».
وعلى عادته في الاستدلال بالحجج والبراهين على آرائه، تسلَّح ابن خلدون بمنطق التاريخ الإنساني، بوجه عام، في تفنيد ادعاء المنقِّبين عن الكنوز، مع أنه لم ينفِ وجودها قطعا كما يأتي في سياق حديثه، إلا أنه يربطها بالصدف لا بتعيين مكانها، كما أنه لا يرى مبررا عقليا لوجود حرفة البحث عنها. وفي برهنته ما يدعو إلى الإعجاب بالروح العلمية التي تحلى بها هذا المفكر، في وقت كان عامة الناس يميلون إلى تصديق الخرافة والخارق للعادة، ويستسلمون لطموحاتهم، كي تسبح بهم في أعماق الخيال، وعبارته هي الآتية:
«أما الكلام في ذلك على الحقيقة فلا أصل له في علم ولا خبر. واعلم أن الكنوز، وإن كانت توجد، لكنها في حكم النادر، على وجه الاتفاق، لا على وجه القصد إليها، وليس ذلك بأمر تعم به البلوى، حتى يدخر الناس أموالهم تحت الأرض ويختموا عليها بالطلاسم، لا في القديم ولا في الحديث. والركاز الذي ورد في الحديث وفرضه الفقهاء، وهو دفين الجاهلية، إنما يوجد بالعثور والاتفاق، لا بالقصد والطلب. وأيضا، فمن اختزن ماله وختم عليه بالأعمال السحرية، فقد بالغ في إخفائه، فكيف ينصب عليه الأدلة والأمارات لمن يبتغيه، ويكتب ذلك في الصحائف، حتى يطلع على ذخيرته أهل الأعصار والآفاق: هذا يناقض قصد الإخفاء. وأيضا، فأفعال العقلاء لا بد وأن تكون لغرض مقصود في الانتفاع. ومن اختزن المال فإنه يختزنه لولده أو قريبه أو من يوثره. وأما أن يقصد إخفاءه بالكلية عن كل أحد، فإنما هو للبلاء والهلاك، أو لمن لا يعرفه بالكلية ممن سيأتي من الأمم، فهذا ليس من مقاصد العقلاء بوجه».
غير أن ابن خلدون استثنى حضارة مصر القديمة، لِما كان لها من خصوصية إرفاق الموتى عند دفنهم بالحلي والدخائر، لاعتقادهم بوجود الحياة الأخرى وحاجة الميت إليها هنالك، فهو قد عاين، عند وفوده إلى مصر، كيف أنهم يستخرجون الحلي والأحجار الكريمة من المدافن الفرعونية. لذلك فنحن نرجّح أن الفصل، موضوع هذه الدراسة، يدخل ضمن ما تم تنقيحه من فصول المقدمة في نسخها المتأخرة، وذلك باعتراف المحقق نفسه بهذا التنقيح والإضافة. ومن بين ما جاء عن حالة مصر الفرعونية قول ابن خلدون:
«وأما ما وقع في مصر من أمر المطالب والكنوز فسببه أن مصر في ملكة القبط (أي الفراعنة) منذ آلاف أو يزيد من السنين، وكان موتاهم يدفنون بموجودهم من الذهب والفضة والجوهر واللآلئ على مذهب من تقدم من أهل الدول. فلما انقضت دولة القبط وملك الفرس بلادهم نقروا على ذلك في قبورهم وكشفوا عنه فأخذوا من قبورهم ما لا يوصف، كالأهرام من قبور الملوك وغيرها. وكذا فعل اليونانيون من بعدهم وصارت قبورهم مظنّة لذلك لهذا العهد. ويعثر على الدفين فيها في كثير من الأوقات: إما ما يدفنونه من أموالهم، أو ما يكرمون به موتاهم في الدفن، من أوعية وتوابيت من الذهب والفضة معدة لذلك...».
ومثل ابن خلدون في ذلك، مثل الجغرافي، مغربي الأصل، الحسن الوزان، الذي اشتهر في الأدبيات الأوربية باسم «ليون الإفريقي»، فهذا، بدوره، استعرض في حديثه عن الحِرَف التي ازدهرت في فاس ونواحيها في عصره، مهنة الباحثين عن الكنوز، وقد انتهى إلى الخلاصة الخلدونية نفسِها. ونرجح أن الوزان ترجم بعض الفقرات من «مقدمة ابن خلدون»، حرفيا، إلى اللاتينية، غير أنها تباعدت في الألفاظ، مع تعدد ترجمات كتاب «وصف إفريقيا»، من لغة إلى أخرى. ومن الصدفة أن يكون الرجلان قد عاشا ردحا من الزمن في المغرب، فالأول اشتغل كاتبا ووزيرا في بلاط المرينيين في فاس، زمنَ السلطان أبي عنان، والثاني أصيل الولادة والمنشأ فيها، ثم بعد ذلك، عين كاتبا ودبلوماسيا في بلاط الوطاسيين (876 961- ه)، مما يَشي بأن المغرب قد شهد ظاهرة البحث عن الكنوز خلال زمن مديد، حتى غدت حرفة قائمة الذات لها أمين يقوم بأمورها، ويتخذها أشخاص طموحون إلى كسب الثروة وتغيير وضعهم الاجتماعي بغتة من الفقر والمسكنة إلى الغنى والجاه والحظوة، وفي عبارات الحسن الوزان أكبر دلالة على امتعاضه من منتحِلي هذه الحرفة، إلى حد أنه يتهمهم بالحمق، فتحت عنوان بارز، وهو «الباحثون عن الكنوز»، تحدث عنهم قائلا:«يوجد بفاس أيضا رجال يدعون الكنزيين، يبحثون عن الكنوز المدفونة في أسس الأبنية الأثرية القديمة. يذهب هؤلاء الحمقى إلى خارج المدينة منقبين في عدد من الكهوف والأطلال لعلهم يجدون فيها هذه الكنوز، لأنهم يعتقدون تماما أن الرومان عندما أخذت منهم إمبراطورية إفريقيا وفروا إلى بلاد بيتيك في إسبانيا، دفنوا في ضواحي فاس عددا وافرا من الأشياء الثمينة النفيسة التي لم يتمكنوا من أخذها معهم وسحروها. ولذلك يبحث هؤلاء الكنزيون عن سَحَرة يكتشفون لهم تلك الكنوز، ولا يخلو الأمر من أناس يزعمون أنهم رأوا في سرداب ذهبا أو فضة لم يستطيعوا أخذه، لكونهم لا يعرفون التعزيم اللازم، ولم يكن لديهم البخور الملائم. وبناء على هذا الاعتقاد الباطل، ينبش الكنزيون الأرض ويتلفون الأبنية والأضرحة، في أغلب الأحيان، وقد ينتقلون لمسافة عشرة أيام أو اثني عشر يوما من فاس، وبلغ بهم الحال أن أصبحت لديهم كتب تذكر فيها الجبال والمواقع التي دفنت فيها كنوز كثيرة، ويحتفظون بهذه الوثائق وكأنها وحي إلهي. وقبل خروجي من فاس، أقام هؤلاء الكنزيون، لحماقتهم، أمينا لهم، وعرضوا على أصحاب الأراضي أن يصلحوا لهم الضرر الناجم عن جميع الحفريات التي يرغبون في القيام بها».
ومع ما تنطوي عليه الرواية من استبعاد لحقيقة وجود الكنوز في بواطن الأرض والمغارات، فإن عملية التنقيب عنها ظلت إحدى الظواهر الاجتماعية المتأصلة في المغرب، ولا تمر فترة من الزمن إلا وتنتشر أخبار، وحتى شائعات، عن كشف كنز هنا أو هناك في أنحاء هذه البلاد، بل إن ما جاء في حديث الوزان عن تنظيم حرفة الكنزيين ليس بالأمر المستطرَف في الوقت الحالي، بالنظر إلى رواج هذه الصنعة لدى أهل بعض المناطق في السوس الأقصى (جنوب المغرب)، حتى إنها صارت مقترنة بجميع السوسيين، بوصفهم يتعاطونها ويَخبِرون كيفيتها دون غيرهم. ويعود هذا الانطباع الجماعي إلى تواتر الحالات المسجَّلة عن قيام أشخاص ذوي ملامح أهل السوس وزيهم ولهجتهم، بنبش القبور والأضرحة وبعض المواقع الأخرى المنتشرة في جبال المغرب، وخاصة في مناطق الريف وغمارة وجبالة (شمال المغرب).

0 التعليقات:

إرسال تعليق